#جريدة_الآن | د. فيصل الشريفي يكتب: الهوية الوطنية والهوية الشخصية
زاوية الكتابكتب د. فيصل الشريفي يناير 21, 2019, 11:20 م 777 مشاهدات 0
الجريدة:
لم تتأثر الهوية الكويتية بكل الهجرات التي مرت عليها، ولا بعدد الوافدين الذي يوازي ثلثي السكان مع ما حملوه معهم من ثقافات وعادات، وظلت محافظة على هويتها ولحمتها الوطنية وقيمها، ولأجل ذلك لا بد من التفريق بين الهوية الوطنية والهوية الشخصية.
عرف مجموعة من علماء الاجتماع الهوية الوطنية بأنها الانتماء إلى الأرض كعامل ثابت يحمل معه مجموعة من القيم الأخلاقية التي تنعكس على شكل أفعال تساهم في حماية واستقرار الوطن، أساسه احترام القوانين والالتزام بقاعدة الحقوق والواجبات، في حين ذهب البعض الآخر إلى إضافة بعض العناصر الأخرى المشتركة كاللغة والعادات والأعراف والعرق والدين، مع الإقرار بأن هذه العناصر تظل قابلة للتغيير بحسب الظروف.
انطلاقا من هذا الفهم تظل حقيقة الهوية الوطنية مرتبطة بمفهوم الانتماء للأرض الحاضنة لمقومات العيش الكريم وهو ما يتماشى مع السنّة الكونية التي جاءت متوافقة مع النواميس الطبيعية، ومن هنا كانت الهجرات إلى البلدان التي يسود فيها العدل والعيش الكريم كما جاء في القرآن الكريم "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ". (سورة الملك - الآية 15).
بعد هذا الشرح فإن هناك فئات قليلة من المجتمعات تصر على إضافة عنصر الوجود الزمني للهوية الوطنية مع ما يحمله من تناقض عند الرجوع إلى نشأة الكثير من الدول، كما حصل عند اكتشاف القارة الأميركية الشمالية والجنوبية وجزيرة أستراليا، حيث توالت عليها الهجرات مما أدى إلى انقرض السكان الأصليين حتى خلت الأرض منهم أو لم يعودا يشكلون إلا الأقلية من مجموع السكان أو في حالة تقسيم الدول الكبيرة إلى دويلات كما هو حادث الآن مقارنة مع خريطة العالم قبل مئة عام.
الكويت، ومنذ نشأتها في بدايات القرن السابع عشر، استطاعت حماية حدودها والمحافظة على هويتها الوطنية رغم قساوة الحياة، بل نجح أهلها في وضع بصمتهم الاقتصادية بالمنطقة بعد تسيدهم على تجارة اللؤلؤ والنقل البحري حتى جاء اكتشاف النفط وتغيرت الحال، فأصبحت محطة الباحثين عن أرض الأحلام في المنطقة مما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد السكان. هنا أرجع إلى الهوية الكويتية التي لم تتأثر بكل الهجرات التي مرت عليها، ولا بعدد الوافدين الذي يوازي ثلثي السكان مع ما حملوه معهم من ثقافات وعادات، إلا أنها ظلت محافظة على هويتها ولحمتها الوطنية وقيمها، ولأجل ذلك لا بد من التفريق بين الهوية الوطنية والهوية الشخصية.
إذاً للهوية الشخصية تعريف آخر يختلف عن الهوية الوطنية، وهي بمثابة بطاقة تعريفية لحاملها، ومن هنا تأتي أهمية تصويب الهوية الوطنية والتفريق بينها وبين الهوية الشخصية، وقد يكون من المناسب بحث موضوع المستحقين من فئة البدون من هذا المنطلق، وعزلهم عن المزورين للنظر في شأن المستحقين منهم وإعطائهم حقوقهم المدنية والقانونية بما فيها الجنسية كي يطوى هذا الملف نهائياً.
أخيراً على الدولة أن تحرر تفكيرها من تبعات الهوية الشخصية الملف الأكثر سهولة، وتتجه نحو مفهوم المواطنة الذي يتضمن الحقوق والواجبات والولاء والتضحية للأرض بالرجوع إلى التاريخ وإلى ملف الغزو بدراسته بشكل جيد لمعرفة من كان مع تراب الوطن ومن كان ضده، أما القرائن الظالمة التي توضع من هنا أو هناك لخلع الفرد من انتمائه الوطني فلا قيمة لها عند مقارنتها بالولاء للأرض.
تعليقات